العنف ضد المرأة - أنامل عربية

مسلسل لن تتوقف حلقاته ما دام المجتمع صامتا ويأبى أن يغير موروثاته التي ما زالت مقتنعة أن إيذاء المرأة والتقليل منها رجولة وقوامة. اليوم أطرق الأبواب ولن أكلّ ولن أملّ، حتى يتم تصحيح المفاهيم ورد اعتبار شريكة المجتمع واللبنة الأساسية في بناء المستقبل.

العنف ضد المرأة 

العنف ضد المرأة - والدة كريمة تحتضن صورتها
والدة كريمة 

 جريمة هزت وجدان الجميع رسم العنف نهايتها بقسوة لا مثيل لها. فتاة في مقتبل العمر تحلم بغد مشرق وأسرة سعيدة في كنف زوج صالح أو هكذا تصورت. حُسن نية مخلوط بسذاجة معهودة في القُرى المصرية دفعت كريمة ابنة محافظة المنوفية للموافقة على الزواج، أملا في حياة تستمر إلى أرذل العمر. 

لم تكن تعلم أن خلف الوجوه الباسمة يقين راسخ بضرورة تطويع تلك الوافدة الجديدة واذلالها بشتى الطرق التي لا تمت إلى الإنسانية بصلة، بداية من عنف زوجي أثناء العلاقة تسبب لها في نزيف حاد منذ الأيام الأولى لزواجها، عندما طلبت الفتاة أن تذهب للطبيبة لم تفاجأ فقط برفض الزوج الذي استمع بالطبع لنصيحة أمه بأن هذا أمر طبيعي ومتوقع، بل الطامة الكبرى أن أم الزوج اعتبرت طلب العروس ما هو إلا مياعة ورفاهية لا أكثر.

العنف ضد المرأة - مأساة استمرت أربعة أشهر 

العنف ضد المرأة - المرحومة كريمة في ليلة عرسها
زواج كريمة 


لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل لأن كريمة لجأت إلى أسرتها للذهاب بها إلى الطبيبة المختصة لتتخلص من الألم وتوقف النزيف، تم عقابها على سوء صنيعها بسحب هاتفها ومنعها من الإتصال بأسرتها، بل وقام الشهم المهام زوجها بإصدار فرمان يمنع فيه زوجته عن التحدث مع أسرتها بتاتا إلا بحضوره وعن طريق هاتفه الخاص شريطة أن تقوم الزوجة بتفعيل مكبر الصوت، حتى يتسنى للزوج التدخل وإيقاف المكالمة إذا قامت كريمة بالشكوى منه أو من والدته.

العنف ضد المرأة- جريمة في وضح النهار

العنف ضد المرأة - الضحية تتوسط زوجها ووالدته
مأساة

طوال أربعة أشهر عاقب الزوج زوجته بكل أنواع العنف البدني واللفظي، بمباركة من والدته ومن حوله، لم يشفع للمسكينة أنها حملت وفي بطنها جنين بريء ينتظر ليخرج إلى الدنيا، صباح يوم الجريمة تعدى الزوج الذي سيطرت عليه فكرة تأديب زوجته وإخضاعها فقام بركلها بوحشية في قفصها الصدري حتى تهشمت ضلوعها، لم تشفع صرخاتها في ايقاف هذاالمجرم، بل العجيب أن والدته لم تحرك ساكنا أو تنهاه عن التوقف، بل يبدو أن إيذاء كريمة كان متعة لهذه العائلة المتوحشة. 
حاول جيران الجاني التدخل لكنه أغلق باب البيت للحيولة دون إنقاذها. سال الدم من أنف وفم الضحية ولم يتوقف الجاني بل تعمد ركلها في بطنها حتى أفقد جنينها الحياة بعدها صعدت روحها الطاهرة إلى بارئها جراء توقف عضلة القلب على إثر تحطيم القفص الصدري طبقا لتقرير الطب الشرعي الذي كشف عن كم الوحشية في الضرب.

العنف ضد المرأة - محاولات إخفاء الجريمة

عندما فارقت كريمة الحياة لم يندم زوجها المجرم بل كل ما سيطر على تفكيره هو التخلص من الجثة فقام بلفها بقطعة قماش كبيرة وحاول أن يركب توكتوك لكن جثتها سقطت منه وتعالت صرخات الجيران فور رؤية الدماء تسيل من الجثة.
حاول الزوج بالاشتراك مع والدته في إخفاء الجريمة واستخراج تصريح لدفنها في هدوء لكن الطبيب الذي حضر لمعاينة الجثة تيقن بما لا يدع مجالا للشك أن سبب الموت هو التعذيب. لهذا قام بإبلاغ الشرطة والتي قامت على الفور بالقبض على الزوج المجرم.

العنف ضد المرأة - شر البلية ما يضحك

العنف ضد المرأة - أم القاتل
أم الجاني 


العجيب أن والدة الزوج رغم أنها شاهدة على تعذيب كريمة وازهاق روحها، إلا أنها عندما حضر طبيب أحضره الجيران لتوقيع الكشف الطبي على كريمة حاولت الماكرة والدة الجاني تضليله وإيهامه بأنها تناولت جرعة زائدة من الأدوية لتنتحر، إلا أن الطبيب تيقن فور معاينته كريمة أنها فارقت الحياة بسبب الضرب، إذ أن الكدمات في وجهها حديثة،  أيقن الطبيب أن والدة الجاني تحاول أن تتستر على الجريمة فخرج من المنزل مسرعا ليتمكن من تبليغ الشرطة وتعلل بأنه متوجه إلى العيادة لاستخراج تصريح الدفن.
على الرغم من ذلك لاحقته والدة الجاني إلا أنه دفعها وأخبرها أن تصريح يحتاج إلى إجراءات كثيرة منها ختم التقرير الطبي. 
لم تتوقف محاولات التضليل على هذا الحد بل سارعت ببجاحة متناهية إلى الشرطة لتلقى اللوم على أسرة كريمة محاولة إلصاق التهمة بهم زورا وبهتانا وطلبت من الشرطة عمل محضر في أسرة كريمة. 
وكأن تلك الشيطانة الآدمية لا تتورع عن أي شيء حتى تبرأ ابنها الآثم من فعلته. خلال تواجدها في قسم الشرطة حدث مفاجأة أفقتدها تركيزها، إذ أخبرها ضابط الشرطة أن ابنها في الغرفة المجاورة اعترف بجريمته، مما دفعها لمغادرة قسم الشرطة مخذولة مدحورة خائبة المسعى.
عندما تناقلت وكالات الأنباء تفاصيل الحادث، ظهرت والدة الزوج في عدد لا بأس به من القنوات تتفاخر بوجودة أطعمة ومأكولات في ثلاجة كريمة، لكن عدسات التصوير فضحتها وتبين كذبها، إذ لم تحتوي ثلاجة العروس سوى على طبق جبن وآخر للعسل وأكياس خبز وخلت تماما من قائمة الأطعمة التي زعمت أم الزوج أن الضحية تناولتها مسبقا.

العنف ضد المرأة - ليست كريمة وحدها

حالة كريمة ليست فردية، بل هناك مئات الآلاف مثل كريمة منهم من قضى نحبه ومنهم من لجأ للانتحار ومنهم ينتظر وما زال يخضع للإيذاء والتعذيب اليومي. في شهر واحد عشرات القصص لزوجات قُتلن بدم بارد بل في بعض الحالات تمت الجريمة على مرأى ومسمع من أطفال الضحية الأبرياء. 
كأنه فيض جارف من الكره والعصبية والبعد عن الرحمة قد ترسخ في صدور الأزواج.
يبقى السؤال إلى متى تلك البشاعة والإنسانية؟ لا هي من الدين ولا هذا ما حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم الذي وصف النساء بالقوارير، كما أنه صلى الله عليه وسلم كأنما استشف الغيب فعلم ما في قلوب ذكور الأمة من همجية ووحشية فنصح في حجة الوداع  قائلا:" استَوْصُوا بالنِّساء خَيرًا"، وقال أيضا" اتقوا الله في الضعفين، المرأة واليتيم". 

العنف ضد المرأة- هل قتل الفقر كريمة بدم بارد؟

العنف ضد المرأة - الضحية كريمة
كريمة 


عقب الجريمة علل البعض ما حدث بأنه نتيجة الفقر المدقع، فوالدة الزوج تتباهى بأن مصروف كريمة الأسبوعي هو أربع دولارات كاملة، وأن أسرة كريمة حثتها على استكمال حياتها الزوجية نظرا لتراكم الديون على والدها بسبب تجهيزها قبل الزفاف.
إذ يتحمل والد العروس (كما جرت الأعراف) شراء كافة الأجهزة  الكهربائية وأدوات المطبخ وجميع المفروشات بالإضافة إلى هدية لأم الزوج تتضمن شاشة تلفاز وطقم من الخزف وكلما زاد مقدار الهدية كان أفضل حتى ناءت الأسر البسيطة بهذه التكاليف واضطرت للإستدانة وتراكمت عليهم الديون، لكن من قال أن الفقر هو السبب بل انعدام الوازع الأخلاقي فكم من فقراء لكنهم سادة بأخلاقهم، كما أن حوادث العنف تحدث بين جميع الطبقات الاجتماعية على حد سواء.

إعادة النظر في كل شئ

العنف ضد المرأة - بكاء امرأة
بكاء النساء 


ما دفع كريمة وأرغمها على الاستمرار هو ديون والدها جراء مشاركته في تجهيز عش الزوجية. لابد من إعادة النظر في تلك التقاليد التي فرضت على رب الأسرة أن يتحمل الديون من أجل المشاركة في تأسيس منزل ابنته. هذا التقليد الآثم زج بمئات الآلاف من النساء في السجون لأنهن غارمات.

لا بد من تصحيح المفاهيم والتخفيف من الأعباء التي تقع على كاهل والد العروس وإلغاء الحرص على اكتناز المفروشات والأجهزة الكهربائية ودفع التباهي وتلك الموروثات جانبا، لكي تتحلل الأسر من الأعباء المالية المرتبطة بالزواج في مصر وغيرها من البلدان التي تطالب والد العروس بالمساهمة في تأسيس منزل ابنته العروس.
 

العنف ضد المرأة ومجتمع لا يبالي بمعاناة النساء

الغريب أن مؤسسات المجتمع المدني والمجلس القومي للأمومة والطفولة وتلك الجمعيات التي طالما تشدقت بحقوق المرأة لم نسمع لها صدى، بل أكاد أجزم أن منظمات رعاية كلاب الشوارع مشكورة لها أثر إيجابي محسوس في إعادة النظر في التعامل مع الحيوانات الضالة أكثر من جمعيات حقوق المرأة التي لم تحرك ساكنا مع ارتفاع معدلات العنف ضد المرأة.
لهذا لن أتوقف عن المطالبة بضرورة تطويع الخطاب الديني وحث المؤسسات الدينية جمعاء على معالجة تلك القضايا الشائكة من جذورها، بدلا من تصدير بعض الآيات القرآنية والسنة النبوية الشريفة لتبرير العنف ضد المرأة وغض الطرف تماما عن سماحة الإسلام ومناشدته للأمة بالتعامل بالحُسنى مع النساء. 
هناك سورتان في القرآن الكريم الأولى النساء والثانية الطلاق، آيات سورة الطلاق تحث على التعامل بالحسنى مع المطلقة، يقول تعالى{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ۚ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ (6)} [الطلاق]. 
لكن الواقع أن محاكم الأسرة تزدحم بقضايا النفقة وتبديد محتويات القائمة وغيرها الكثير والتهرب من الإنفاق على الأبناء.
 لا بد من تعديل المناهج الدراسية لتحتوي بوضوح على ما دعت إليه الشرائع السماوية من إعلاء شأن المرأة وضرورة الإحسان إليها، ليس هذا فحسب بل لا بد من حث الدارسين على إعلاء القيم الإنسانية في التعامل مع المرأة وتكريمها أختا وأما وزوجة.

العنف ضد المرأة - دعوة كريمة للحد من العنف ضد المرأة 

لكل من يهمه الأمر، لكل من له قلب نابض في صدره لابد من أن نتكاتف جميعا لوقف تلك المهزلة، لابد من أن تُخصص ندوات توعية للشباب والمقبلين على الزواج في المساجد والكنائس ومراكز الشباب للتوعية بالسلوكيات الصحيحة في الحياة الزوجية وحث كلا الطرفين على بناء أسرة قوامها الأساسي المودة والرحمة. 


لا يكفي إطلاق مبادرات وهمية بشعارات رنانة إرضاء للضمير. يحب على صناع الدراما أن يترفقوا بالجيل القادم، أيها الكُتاب كفاكم مسلسلات العنف التي جعلت من البلطجة بطولة، لا بد من إعادة النظر فيما يقدم للأسر من أعمال تلفزيونية وسينمائية. 

دمتم بكل ود.

رأيك يهمنا

أحدث أقدم